فن العطاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فن العطاء


 
الرئيسيةالتسجيلأحدث الصوردخول الملاحظات و الاستفساراتشات حقوق الإنسانمواقع ترجمةMusicRomantic Relax Music

 

 كلب برجوازي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
algmr
عضو جديد
عضو جديد
algmr


الـــدولـة السعودية
العضوية العضوية : 37
مواضيع مواضيع : 33
الـتاريخ الـتاريخ : 26/02/2013
نقاط نقاط : 61

كلب برجوازي Empty
مُساهمةموضوع: كلب برجوازي   كلب برجوازي Ymnmd1006.01.14 2:23


كلب برجوازي..


- 1 -

أحست السيدة الكلبة المحترمة بآلام المخاض، وتيقنت أنها على مشارف الوضع. هرعت سيارة الإسعاف بسرعة جنونية إلى مصحة الولادة، فالسيد الكلب المحترم لا يحتمل رؤية كلبته المحترمة تنتفض من شدة الألم، ولا يحتمل أن يتعرض ابنه البكر لمكروه.

توقفت السيارة الأنيقة، المجهزة بأحدث وسائل الإسعاف الأولي، أمام بوابة المصحة الضخمة. وفي لمح البصر، تدفق أطباء التوليد، والتخدير، والترويض، والممرضون والمساعدون. تحلق الجمع الغفير حول الكلبة المصونة. أنزلت برفق تام خوفا من بعض المضاعفات المحتملة، ثم نقلت إلى جناحها الخاص، بعدما تم إفراغه كاملا في طرفة عين.

كان ذلك اليوم مشهودا في تاريخ المصحة، فالهواتف لم تنقطع عن الرنين، والأطباء لم يعرفوا طعم الراحة، والكلبة المحترمة لم تكف عن الصراخ. بدا البطن منفوخا بشكل مريب، حتى إن الطبيب المشرف على الولادة ظن، في البدء، أنها تنتظر توأما.

وقف الكلب المحترم بأوداجه المنتفخة، ووجهه الطافح بالدم، يرقب الوضع وهو مشلول الإرادة. كانت صرخات كلبته تمزق الصمت وشغاف قلبه. كان أنفه يرتجف كلما اشتد الصراخ. ظل رابضا قربها مثل صنم هلامي يمسك بيدها اليسرى، ويمسح العرق المتفصد من جبينها.

- 2 -

تهللت أسارير الكلبة حين تدفقت نبحة صغيرها وهو يستقبل العالم الجديد. في جوارها، بدا كلبها جاثما وقد اختلطت عليه مشاعر الأبوة. بدت عضلات وجهه تتمدد وتتقلص، وشعره ينتفض ويتلبد. تقدم من الأم على مهل، أخذ الصغير بين يديه، تشممه جيدا، مرر يده بحنان واهن على شعره وجلده اللزج، طبع على وجهه اللدن قبلة، ثم وضعه في حضن أمه كي تكمل طقوس الأمومة.

بدا الرضيع بصحة جيدة، وظهرت عليه قسمات جمال آسر؛ خضرة عيون موروثة عن الأم، وبنية بدنية عن الأب. وتنبأ له الأطباء والعرافون بمستقبل زاهر.

في ذلك الصباح الربيعي، اختلطت أنسام الحديقة الممزوجة برذاذ البحر وتغريد الطيور مع زغاريد الكلبة الأم وأخواتها، والممرضات وعاملات النظافة. تقاطرت على جناح الكلبة والرضيع الهدايا، وباقات الورود، وبطاقات التهنئة. وجاء الزوار من مختلف الطبقات والمراتب؛ فقد حل أمناء الأحزاب ورؤساء الجمعيات، واللصوص والخونة، وقطاع الطرق و...

- 3 -

في البدايات الأولى لاكتساب اللغة الأم، ظهرت على الجرو المدلل أعراض عسر النطق؛ إذ كانت تتداخل الحروف في فمه، ويسعى جاهدا كي يستقيم الأمر له، فيبدو في منظر لا يحسد عليه. أحس الكلبان المصونان بالحيرة، وخافا أن يتفاقم وضع صغيرهما، خصوصا أن نطق "ماما" و"بابا" تأخر كثيرا مقارنة مع أترابه في الحي. عرضا ابنهما على أمهر اختصاصي أمراض الجهاز النطقي.

أجرى الطبيب المعالج للجرو الصغير مجموعة من الفحوصات المكثفة، تركزت على المراكز الإدراكية، والأعصاب، والبصلة السيسائية. استنفد معها كل طاقاته المعرفية والعلمية المحصل عليها من الجامعات الأمريكية، خصوصا حين علم أن هذا الكائن الممدد أمامه على السرير، ينتمي إلى فصيلة الكلاب البورجوازية، وأنه مقبل على إدارة أملاك العائلة الكلبية المحترمة.

كانت علامات القلق والحزن تخيم على الوجوه في بيت العائلة. فمنذ أعلمهما الطبيب المعالج أن ابنهما مصاب بالحبسة، أصبح الأب كثير الشرود، أما الأم فلم تعد عيناها تذوقا طعم النوم. أرسلا وحيدهما إلى فرنسا لإجراء عملية جراحية معقدة في الدماغ تكللت بالنجاح، لكنها أورثته صوتا خشنا يرهب كلاب الحي حين يهر.

تلقى الجرو المنتمي إلى فصيلة الكلاب البورجوازية، منذ نعومة أصابعه، تربية على يد مربية سويسرية في بيت العائلة المحترمة، وشرب معين العلم الحديث من ألسنة أمريكيين، ونهل العلم الأصيل من أيدي علماء البلد، المشهود لهم بالحكمة، والبأس، ودماثة الخلق. وفي ظرف وجيز، حاز الجرو المثخن بالثقوب السوداء في الذاكرة، شواهد في اللغات الحية والفلسفة، والقانون والسياسة، من جامعات وطنية وأجنبية. فصار الكلب الصغير مؤهلا لتحمل أعباء العائلة المترامية الأطراف.

- 4 -

في شتاء غائم تخللته عواصف رعدية، أحس الكلب الأكبر بتدهور مفاجئ في صحته. جاء الطبيب الشخصي، فحصه جيدا، ثم طلب نقله إلى المستشفى. بدا المريض على السرير الأبيض متآكلا، كهلا قبل الأوان. غزا الشيب رأسه، انزوت عيناه داخل كهف عميق، واصفر وجهه. عندما أخبره الطبيب بالورم الخبيث الذي التهم دماغه، شعر الكلب البورجوازي بالموت يتآكل عظامه. أمر بإحضار ابنه، أجلسه بالقرب منه، ثم قال وغصة من فولاذ تذبحه:

- أي بني الوحيد، أريدك أن تصغي إلي جيدا... أنت من الآن وريثي في أملاك العائلة.

تدخل الابن وعيناه مشدودتان إلى أنفاسه الواهنة قائلا:

- لا تقل هذا الكلام، أطال الله في عمرك، هي وعكة صحية عابرة مثل غيرها.

قاطعه الوالد وهو يجاهد التغلب على وطأة الألم:

- يكفيني يا بني من متاعب الدنيا، آن الأوان كي أخلد إلى الراحة الأبدية، وهذا الداء اللعين يستنزفني يوما بعد يوم. هذا أوانك كي تخلد عائلتك.

وما إن أكمل الكلب الموبوء وصيته حتى فاضت روحه. انشغل الكلب الوريث بمراسيم الدفن واستقبال وفود المعزين. بدا كائنا آخر، فقد ارتدى الملابس التقليدية، وأرخى لحية خفيفة لإبراز مدى حزنه لفقدان والده، كنوع من النفاق الاجتماعي والسياسي.

في تلك الليلة، تقلب الكلب الجديد في فراشه كثيرا حتى فقد جغرافية السرير. كانت جمجمته الطويلة حقلا لألغام متفجرة، وقاعة لمحاكمات عقلية. رمى عن جسده المثقل بالأرق لبدة النوم، أشعل المصباح الكهربائي فبدا جسد كلبته النائمة بجنبه، المشرب بالبياض لامعا. تحركت قليلا ثم غطت وجهها. قفز من سريره مثل قط بري، وأخذ يذرع الغرفة ذهابا وإيابا وهو يرتشف سيجاره الكوبي.

,,,

القصه لـ عادل بن زين - المغرب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كلب برجوازي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فن العطاء :: المنتديات الأدبية :: القصص والروايات-
انتقل الى: