للكاتبه / إيمان القدوسي

للكاتبه / إيمان القدوسي
........................

جيوش ، وعروش
. . . . . . .

كم مرة جيشت جيوش الغضب من صديقك المخلص الذي تأخر في تقديم التهاني لك بمناسبة نجاحك ، وذهبت لزيارته مغاضبا لتطلق عليه جحافل جيش الغضب الذي ازدحم به صدرك لتجده طريح فراش المرض ولم يشأ أن يزعجك بآلامه ، وشعرت فجأة بتساقط فلول الغضب لتفسح الطريق واسعا لمشاعر محبة أكثر عمقا ودفئا للصديق الحقيقي الذي أخفي عنك ما يفسد عليك فرحتك ؟
وكم مرة بنيت عرشا لشخصية لامعة براقة ، وكلما عرفته أكثر بهرك رنين صوته وتأثير شخصيته فلم تكتفي بعرشه في قلبك بل خلعت عليه أيضا التاج وأسلمته الصولجان ، وأصبحت كلما تحدثت عنه أو مر طيفه بخيالك امتلأت فخرا بمكانتك القريبة منه ، ولما احتجته بعد ذلك في أبسط المواقف خذلك وتخلي عنك وأظهر وجهه الحقيقي وخلع كل الأقنعة ، فما كان منك إلا أن هدمت عرشه وكلما مررت بأطلاله تعجبت منه ومن نفسك ومن النفس البشرية التي لا تعرف لمن تقيم العروش ولمن تحشد الجيوش .
السلوك الإنساني هو أشد الظواهر تعقيدا لأن أسبابه الدفينة قد تخفي حتي علي صاحبها نفسه ، ما الذي يجعلنا سعداء حقا ؟ وكيف تؤثر فينا وتعكر صفونا كلمة سخيفة من شخص لاقيمة له ؟
جذور الشخصية تضرب بعيدا في الماضي الخاص للإنسان ربما وقت أن كان لا يمتلك حتي ذاكرة يسجل فيها ما أثر فيه من أحداث ، واليوم عندما تغضب بشدة من موقف لايستحق فذلك لأنه أثار فيك جراحا قديمة شعرت فيها بالخيبة والإحباط والإهمال المتعمد ولم تتمكن وقتها من الثأر لكرامتك الجريحة ، وعندما تشعر بالارتياح الشديد لشخص قابلته حديثا فذلك لأنه ذكرك بوجه كان مصدر سرور وسعادة لك يوما ما .
إذا أردت أن تريح نفسك اعلم أن كل إنسان هو عالم يموج بالخبايا والخفايا ولا نعرف عنه إلا الواجهة الخارجية فعامل كل واحد بمقدار ما يظهر لك منه وإذا وجدت منه غير ما تحب فالتمس له عذرا فقد يكون هو يعاني من نفسه أكثر من الآخرين .
ولا تتعب نفسك كثيرا في محاولة تحليل وفهم سلوك الناس ، تعامل أنت بما يرضي الله ودع الخلق للخالق وسوف تنال ما تستحق عل قدر عملك ونيتك .
كلنا بشر نعاني الضعف الإنساني ونتمتع بالنفحة الربانية ونحاول أن نجد لأنفسنا موضعا في الحياة وفي اجتهادنا نخطئ ونصيب ، وما نحتاجه من بعضنا البعض المزيد من التراحم والتماس العذر ومحاولة توسيع مساحة الاتفاق بيننا ، وحتي تكون علاقاتنا أكثر توازنا وأقل إحباطا يجب ألا نبالغ في حشد جيوش الغضب أو إقامة عروش التكريم ،

ففي كلتا الحالتين أنت تتعامل مع مخلوق بسيط مثلك لا ترفعه إلي عنان السماء ولا تخسف
به الأرض ، بل دعه مكانه يمشي وسط البشر بغير عروش ولا جيوش .

دائما وابد .. فائق الأحترام / تشبهلك أقداره